تحدث نائب الرئيس الأميركي مايك بينس إلى فوج خريجي أكاديمية «ويست بوينت» العسكرية يوم السبت قبل الماضي، ووسط كلمات التهاني والثناء الاعتيادية التي قالها في حق الخريجين، قال أيضا شيئا صادما حقا: «إنه من شبه المؤكد أنكم ستحاربون في ساحة القتال من أجل أميركا في مرحلة ما من حياتكم. إنكم ستقودون جنودا في القتال. وهذا سيحدث». «بعضكم سينضم إلى القتال ضد الإرهابيين المتشددين في أفغانستان والعراق. وبعضكم سينضم إلى القتال على شبه الجزيرة الكورية وفي منطقة المحيط الهندي- المحيط الهادي، حيث ما زالت كوريا الشمالية تهدد السلم، وحيث تتحدى صين تزداد عسكرة وجودَنا في المنطقة. وبعضكم سينضم للقتال في أوروبا، حيث تسعى روسيا شرسة إلى إعادة رسم الحدود الدولية بالقوة. وبعضكم قد ينادى عليه من أجل الخدمة في هذا النصف من العالم».
«وعندما يأتي ذاك اليوم، لدي اليقين أنكم ستلبون دعوة صوت السلاح وتقومون بواجبكم، وتقاتلون، وتفوزون. فالشعب الأميركي لا يتوقع منكم أقل من ذلك».
«وعندما يأتي ذاك اليوم، أحثكم على أن تأخذوا ما تعلمتموه هنا وتضعوه موضع تطبيق. ارتدوا دروعكم حتى تكونوا مستعدين حينما يأتي ذاك اليوم».
لنتوقف الآن ونتأمل ما يعنيه هذا. بينس لا يقول فقط إنه لا مفر من مزيد من الحروب، ولكن أيضا إنه لا مفر منه في المستقبل القريب. ودعونا لا ننسى أنه إذا كان الكثيرون ممن يدرسون في الأكاديميات العسكرية يتابعون مشوارهم المهني في الجيش، فإن الكثيرين منهم أيضا لا يفعلون. فهم لديهم التزام بالخدمة لثماني سنوات بعد التخرج فقط – خمس سنوات في الخدمة الفعلية وثلاث سنوات في الاحتياط.
ونائب الرئيس أعلن لهؤلاء الشبان والشابات أنهم سيشهدون جميعا قتالا في غضون الثماني سنوات المقبلة. بل إن بينس يرى أميركا تخوض حربا في كل مكان، وقريبا جدا، سواء أتعلق الأمر بـ«القتال على شبه الجزيرة الكورية ومنطقة المحيط الهندي- المحيط الهادي»، أو «القتال في أوروبا»، أو في مكان ما في أميركا اللاتينية. أما بالنسبة للعراق وأفغانستان، فيقول إنه لن تكون ثمة نهاية، ليس للوجود الأميركي فقط، ولكن للقتال الأميركي في هذين البلدين.
ومن يدري، فإذا كنا محظوظين، فإننا قد نحصل على غزو جديد قريبا! فهذا السيناتور ليندسي جراهام، «الجمهوري» عن ولاية كارولاينا الجنوبية، والذي يعد أحد أقرب مستشاري الرئيس دونالد ترامب في شؤون الكونجرس، قال لبرنامج «فوكس نيوز سانداي» نهاية الأسبوع الماضي: «لو كان الأمر بيدي، لحددتُ مهلة لكوبا لتخرج من فنزويلا. فإذا لم يفعلوا، قلت للجيش الفنزويلي: عليكم أن تختاروا بين الديمقراطية ومادورو، ولكن اعلموا أنكم إذا اخترتم مادورو وكوبا، فإننا سنأتي إليكم. فهذا يحدث في فنائنا الخلفي».
أو إذا مللنا من فنزويلا، فربما نحصل أخيرا على تلك الحرب مع إيران التي يريدها الكثير جدا من الجمهوريين منذ زمن طويل، ولكن ليس أكثر مما يفعل مستشار الرئيس في شؤون الأمن القومي.
بيد أن المثير للقلق أكثر في خطاب بينس هو أنه يتعامل مع الغزو الأميركي لبلدان أخرى وكأنه شيء من المسلّمات، شيء لا سيطرة لنا عليه لنقرر ما إن كنا نريد القيام به أو لا. إنه عالم خطير، وبالتالي، فليس لدينا خيار في المسألة. هكذا هي الأمور، وهكذا ستبقى دائما. ليس هذا فحسب، ولكن حالات الغزو هذه ستحدث بشكل متكرر جدا لدرجة أن بعضها على الأقل يعد شيئا مؤكدا تماما في غضون فترة ثماني سنوات. ثم إن الأمر لا يتعلق بأي غزو صغير تافه، وإنما بغزو يتطلب تعبئة كبيرة لدرجة أن كل ضابط في الجيش تخرّج من «ويست بوينت» في السنوات الأخيرة سيشهد القتال.
هذه نظرة للعالم تقود إلى الكوارث مثل حرب العراق. ولهذا لنكن واضحين: إننا نملك بكل تأكيد الاختيار في مسألة عدد المرات التي نقرر فيها غزو بلدان أخرى. فكل واحدة من حالات الغزو الكثيرة جداً التي قمنا بها كانت اختيارا. ومعظمها نحا منحى سيئا بالنسبة لكل الأطراف المعنية، وخاصة الشعوب عاثرة الحظ التي تعيش في البلدان التي أرسلنا جيشنا إليها.
*محلل سياسي أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفس»
«وعندما يأتي ذاك اليوم، لدي اليقين أنكم ستلبون دعوة صوت السلاح وتقومون بواجبكم، وتقاتلون، وتفوزون. فالشعب الأميركي لا يتوقع منكم أقل من ذلك».
«وعندما يأتي ذاك اليوم، أحثكم على أن تأخذوا ما تعلمتموه هنا وتضعوه موضع تطبيق. ارتدوا دروعكم حتى تكونوا مستعدين حينما يأتي ذاك اليوم».
لنتوقف الآن ونتأمل ما يعنيه هذا. بينس لا يقول فقط إنه لا مفر من مزيد من الحروب، ولكن أيضا إنه لا مفر منه في المستقبل القريب. ودعونا لا ننسى أنه إذا كان الكثيرون ممن يدرسون في الأكاديميات العسكرية يتابعون مشوارهم المهني في الجيش، فإن الكثيرين منهم أيضا لا يفعلون. فهم لديهم التزام بالخدمة لثماني سنوات بعد التخرج فقط – خمس سنوات في الخدمة الفعلية وثلاث سنوات في الاحتياط.
ونائب الرئيس أعلن لهؤلاء الشبان والشابات أنهم سيشهدون جميعا قتالا في غضون الثماني سنوات المقبلة. بل إن بينس يرى أميركا تخوض حربا في كل مكان، وقريبا جدا، سواء أتعلق الأمر بـ«القتال على شبه الجزيرة الكورية ومنطقة المحيط الهندي- المحيط الهادي»، أو «القتال في أوروبا»، أو في مكان ما في أميركا اللاتينية. أما بالنسبة للعراق وأفغانستان، فيقول إنه لن تكون ثمة نهاية، ليس للوجود الأميركي فقط، ولكن للقتال الأميركي في هذين البلدين.
ومن يدري، فإذا كنا محظوظين، فإننا قد نحصل على غزو جديد قريبا! فهذا السيناتور ليندسي جراهام، «الجمهوري» عن ولاية كارولاينا الجنوبية، والذي يعد أحد أقرب مستشاري الرئيس دونالد ترامب في شؤون الكونجرس، قال لبرنامج «فوكس نيوز سانداي» نهاية الأسبوع الماضي: «لو كان الأمر بيدي، لحددتُ مهلة لكوبا لتخرج من فنزويلا. فإذا لم يفعلوا، قلت للجيش الفنزويلي: عليكم أن تختاروا بين الديمقراطية ومادورو، ولكن اعلموا أنكم إذا اخترتم مادورو وكوبا، فإننا سنأتي إليكم. فهذا يحدث في فنائنا الخلفي».
أو إذا مللنا من فنزويلا، فربما نحصل أخيرا على تلك الحرب مع إيران التي يريدها الكثير جدا من الجمهوريين منذ زمن طويل، ولكن ليس أكثر مما يفعل مستشار الرئيس في شؤون الأمن القومي.
بيد أن المثير للقلق أكثر في خطاب بينس هو أنه يتعامل مع الغزو الأميركي لبلدان أخرى وكأنه شيء من المسلّمات، شيء لا سيطرة لنا عليه لنقرر ما إن كنا نريد القيام به أو لا. إنه عالم خطير، وبالتالي، فليس لدينا خيار في المسألة. هكذا هي الأمور، وهكذا ستبقى دائما. ليس هذا فحسب، ولكن حالات الغزو هذه ستحدث بشكل متكرر جدا لدرجة أن بعضها على الأقل يعد شيئا مؤكدا تماما في غضون فترة ثماني سنوات. ثم إن الأمر لا يتعلق بأي غزو صغير تافه، وإنما بغزو يتطلب تعبئة كبيرة لدرجة أن كل ضابط في الجيش تخرّج من «ويست بوينت» في السنوات الأخيرة سيشهد القتال.
هذه نظرة للعالم تقود إلى الكوارث مثل حرب العراق. ولهذا لنكن واضحين: إننا نملك بكل تأكيد الاختيار في مسألة عدد المرات التي نقرر فيها غزو بلدان أخرى. فكل واحدة من حالات الغزو الكثيرة جداً التي قمنا بها كانت اختيارا. ومعظمها نحا منحى سيئا بالنسبة لكل الأطراف المعنية، وخاصة الشعوب عاثرة الحظ التي تعيش في البلدان التي أرسلنا جيشنا إليها.
*محلل سياسي أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفس»